رؤيا شرقية ديمقراطية: لا للانقلاب الدستوري ولا للـنظام القديم

نحن، تجمّع من المواطنات والمواطنين الشرقيّين، نطرح بهذا رؤيا تقوم على مبادئ جوهرية للديمقراطية والمواطنة في مجالات القضاء والتربية والتعليم والثقافة والإعلام والإسكان وغيرها، وتسعى إلى محو الفجوات بدل تعزيزها، بروح النضال الشرقي على مدى تاريخه.

نحن نؤمن بأنَّ إصلاحات أساسية وعميقة هي حاجة ضرورية بالفعل، ولكن ليس بروح منتدى كوهيلت العنصري المعادي للمجتمع، من جهة، ولا بروح “ديمقراطية الفيلا في وسط الغابة” من جهة أخرى، والتي تخدم اليهود بدرجات متفاوتة وتقصي المواطنين الفلسطينيّين تمامًا.

نعرب عن تخوّفنا البالغ من مخطّطات الحكومة الجديدة الساعية إلى إجراء انقلاب دستوري بنكهة حركة كهانا التي ستؤدي إلى تعزيز الأذى المستمر بالفئات المهمّشة وتعميق عدم المساواة الاجتماعية بصورة أكبر. وفي ذات الوقت، فإننا لا نطمح كذلك إلى استعادة “النظام القديم” المتمثّل في الديمقراطية الشكلية القائمة على مفاهيم عنيفة معادية للمجتمع، وعلى موقف انعزالي وعدائي تجاه منطقة الشرق الأوسط وتجاه مواطني الدولة الذين ينحدرون من هذه المنطقة. وبهذه الروح، نعرب عن استيائنا أيضًا من الاستيلاء المثير للسخرية على الخطاب الشرقي لمصالح سياسية غريبة تمامًا عن روح النضال الشرقي.    

نحن، ناشطات وناشطون في النضالات الشرقية والمدنية في العقود الأخيرة، نرى بعين القلق مخطّطات الحكومة الجديدة العازمة على القيام بانقلاب دستوري وتربوي، انقلاب إنجليكاني بنكهة حركة كهانا. نشعر أنَّ هذا الانقلاب لا يهدف إلى تحسين أوضاع ومكانة المواطنين والمقيمين في إسرائيل. ستؤدي نتائجه، كما توضّح لنا بالفعل في الأسابيع الأخيرة، إلى تضييق الخناق على الحيز الديمقراطي، وتوسيع العنف والقمع، وتعزيز عدم المساواة الاجتماعية، وإسكات الخطاب التربوي والنقدي، والإضرار بإمكانية محاربة المظالم التي ترتكبها السلطة، والمسؤولة عنها حكومات إسرائيل على طول تاريخها.

في هذه اللحظة الحرجة، من المهم لنا أن نُسمع صوتًا واضحًا حول ماضينا ورؤيتنا للمستقبل يعتمد على منظور واقعي للحاضر. إنَّ نضالات الشرقيّين في إسرائيل في الأجيال السابقة، ضد الاضطهاد الذي عانينا منه من هيمنة اليمين واليسار، سعت إلى توسيع نطاق الديمقراطية، ومنح الحقوق التي لم يتم توزيعها بالتساوي على الجميع. على الرغم من أنَّ دولة إسرائيل قد عرّفت نفسها منذ يوم تأسيسها بأنها ديمقراطية، إلَّا أنَّ الحقوق الديمقراطية لم تُمنح لنا ولجماهير أخرى بشكل تلقائي. لقد ناضلنا وما زلنا نناضل ضد محاولات القمع ونزع الشرعية، ضد عدم المساواة أمام القانون، ومن أجل التوزيع العادل للموارد والتمثيل السياسي، ومن أجل تصحيح المظالم، مثل الجرائم المرتكبة ضد أسر أطفال اليمن والشرق والبلقان، ومن أجل تعزيز مكانة التاريخ والثقافة الشرقية في المجتمع الإسرائيلي. على الرغم من الإنجازات المثيرة التي حقّقها النضال الشرقي على طول تاريخه، لا تزال الفجوات وغياب المساواة مغروسة بعمق في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في إسرائيل وتشكّله إلى حد كبير حتى وقتنا الراهن.

إنَّ الثقافة الديمقراطية هي شريان حياة المبادئ والمؤسّسات الديمقراطية، كالفصل بين السلطات وحرية الإعلام وسيادة القانون وقوانين أساسية تضمن حقوق المواطن. تأسّست في إسرائيل ولا تزال ديمقراطية لصالح قلّة تعتبر نفسها “فيلا في وسط الغابة”، تتغذّى من امتعاض عدائي للفضاء الجيوسياسي الذي تتواجد فيه، وينعكس ذلك في موقف الدولة تجاه مواطنيها المولودين في هذا الفضاء، بما في ذلك السكان الشرقيّين. إنَّ الرابط العميق بين الرأسمالية النيوليبرالية والسياسات الاستعمارية العنصرية، التي تتشارك أساسًا في مفاهيم فوقية البيض وكراهية الفقراء والعمّال، قد ولّد عدم مساواة اجتماعية واقتصادية في توزيع الموارد العامة وتكافؤ الفرص في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك التمثيل الثقافي والتربية والتعليم والتشغيل والإسكان والمساواة أمام القانون وغير ذلك.

لا نقول في وقتنا الراهن “لقد ذهبت الديمقراطية أدراج الرّياح” – لأنَّ الديمقراطية الكاملة للشرقيات والفلسطينيات والإثيوبيات والمهاجرات من بلدات الاتحاد السوفييتي سابقًا لم تكن موجودة أبدًا بالأصل، وليس لها أي مكان تذهب إليه. ينبغي على المرء أن يرى في لحظة الأزمة الحالية كذلك فرصة لتشكيل أفق ديمقراطي حقيقي، وليس الحنين إلى الأيام الماضية، بل الاهتمام بتغيير بنى السلطة القمعية من أساسها، لصالح جميع المقيمات والمقيمين في المنطقة.

لطالما انطلق النضال الشرقي من أجل الاعتراف والمساواة على مر السنين من القيم العالمية والمطالبة بالعدالة الشاملة. إنَّ نضال الشرقيّين الشيوعيّين في الخمسينيات، وتمرّد وادي الصليب، ونضال الفهود السود، وحركة الخيم، ونضالات القوس الديمقراطي الشرقي، ونضالات الجماعات النسوية الشرقية، مثل حركة “أحوتي/أختي” وحركة “شوبروت كيروت/كاسرات الجدران”، والنساء اللاتي يناضلن من أجل الإسكان الجماهيري، جميعها كانت دومًا نضالات تسعى إلى إحداث تغيير بنيوي. وكذلك الأمر بشأن الالتماس الشرقي المقدّم ضد “قانون القومية”.

نحن لا نتأثر بالأحاديث والتصريحات – الصادرة عن اليمين وعن اليسار – حول عدم وجود تمثيل شرقي إذا لم يقف خلفها التزام بتغيير عميق حقيقي بشأن عدم المساواة.

شهدنا في السنوات الأخيرة محاولات السلطة لاحتواء النضالات الشرقية واستخدامها سياسيًا بصورة مثيرة للسخرية: بدلًا من التعلّم من النقد الشرقي ضد الهيمنة الصهيونية العلمانية، وهي بجوهرها إشكنازية، من أجل العمل على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشرقيّين في المجتمع الإسرائيلي، تستخدم السلطة انتقاداتنا لتعزيز موقفها السياسي وإسكات الاحتجاج ضد سياسات اليمين التي تلحق الضرر باستمرار بالشرقيّين، إلى جانب فئات أخرى تعاني من التمييز. لقد كنا دائمًا متّسقين في انتقادنا لهيمنة الصهيونية الإشكنازية، ومع ذلك، نود التأكيد على أنَّ السياسيّين الشرقيّين الذين يكثرون من التحدّث باسمنا وباسم “المجتمعات الشفافة”، ولكنهم لم يتحركوا أبدًا لمحاربة الفقر وعدم المساواة في سنواتهم الطويلة في مختلف الحكومات – هؤلاء لا يمثّلوننا.

إنَّ استخدام المطالبات والمفاهيم التي انبثقت عن النضال والخطاب الشرقي – مثل “إسرائيل الثانية”، و”التمثيل الشرقي”، و”الأطراف في مقابل المركز” –من طرف المتحدثون والسياسيون من اليمين في السنوات الأخيرة، بصورة مثيرة للسخرية، قد أدّى إلى تحويل الخطاب بشأن الاعتراف والمساواة إلى أداة للمناكفة السياسية العنيفة، الأمر الذي عمّق الجهل بتاريخ الشرقيّين وثقافتهم، وأسكت المشاكل العميقة الحالية. لم يشارك السياسيون من اليمين، الذين يتهجّمون على الهيمنة، في النضالات من أجل المساواة في التربية والتعليم، وتغيير توزيع مناطق نفوذ السلطات المختلفة، وتوسيع نطاق الإسكان الجماهيري والامتناع عن إخلاء السكّان منه، وضد إخلاء كفار شالم وجفعات عمال وأبو كبير وحي “هأرغزيم”.

حتى هذه الأيام، لا يمثّل بنيامين نتنياهو وياريف ليفين وسمحه روطمان، الذين يقودون الانقلاب الدستوري، بأي حال من الأحوال جمهور الشرقيّين، ولا يعملون من أجل النهوض به. نتنياهو وليفين وروطمان هم الممثلون الحاليون للهيمنة الإشكنازية والعنصرية وتعميق عدم المساواة الاجتماعية. يسعى روطمان، وكذلك سموتريتش، في إطار الانقلاب الدستوري إلى تقليص الحق الانتظام والحق في الإضراب، بحيث تبقى أدوات مقاومة قليلة بأيدي جمهور العمّال. تأتي هذه التحركات النيوليبرالية في خدمة الرأسماليّين، وبمساعدة الممولين الإنجليكانيّين لمنتدى كوهيلت، وستؤدي إلى إلحاق الضرر بالأطراف التي يتحدثون باسمها، وبالمجتمع الإسرائيلي ككل، وسوف تفرض تراجعًا على إنجازات النضال الشرقي.

لطالما دعا نضالنا، بصفته نضالًا نسويًا وسياسيًا واجتماعيًا، إلى إقامة شراكات مع فئات مضطهدة أخرى، انطلاقًا من فكرة مفادها أنَّ اضطهادنا لا يحدث في فضاء منعزل عن بقية المجتمع الإسرائيلي، وانطلاقًا من إدراك أنه بمساعدة الروابط الحقيقية وتفكيك سياسة فرق تسد فقط من الممكن إحداث تغيير حقيقي. وهذا ما تعلّمناه من الراحلة فيكي شيران: “إنَّ عملية فك رموز الربط بين الجندر والطبقة والطائفة والأمة في ظل ظروف الاحتلال القاسية والحرب والموت تكاد تكون مستحيلة، ولكن حيويتها ليست موضع شك”.

كنا نأمل لسنوات طويلة أن تكون الذاكرة التاريخية التي نحملها للمجتمع الإسرائيلي، بشأن الأجيال الطويلة من الحياة المشتركة، التي تخلّلتها الأزمات والتقارب، بين اليهود والمسلمين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والحياة اليهودية باللغة العربية، والحركة ضمن حيّز مشترك على مدار قرون طويلة، من شأن ذلك أن يساعد على تحقيق عملية مصالحة وتقارب بين اليهود والفلسطينيّين، ولهذا فنحن مستاءون من الرؤية التي مصدرها حركة كهانا والتي تطرحها الحكومة، الساعية إلى إقناع الجمهور بأنَّ العنف والخوف والفصل والقمع والترحيل سوف يولّد الأمن، من دون الاعتراف بدورة العنف والانتقام التي ندخلها جميعًا.

بدلًا من معالجة مشاعر عدم الأمان الشخصي للمواطنين، لا سيما النساء، والتي هي بحد ذاتها نتيجة للعنف المتزايد برعاية السلطة، يطرح بن جفير وشركاؤه مزيدًا من العنف: أكذوبة “فرض السلطة”، والإفراط في استخدام القوى الشرطية، والتضخّم في حيازة الأسلحة. جراء هذه “الحلول السحرية” سوف تتضرّر النساء والأطفال وأسر بأكملها في كافة البلدات، لا سيما في بلدات الأطراف.

لطالما كان انتقادنا على مدار سنين طويلة على السلطة القضائية، والتي تتّسم بالتجانس الإثني الإشكنازي الساحق، وتحديدًا المحكمة العليا، مطلبًا لتوسيع الديمقراطية والمساواة، ولا يزال على حاله، وليس تقليص الديمقراطية كما يطالب اليمين. نرغب في هذا المقام بطرح رؤية بديلة انطلاقًا من أمل مستقبلي، ورغبة في رؤية هذا الفضاء الذي نعيش فيه، بصفته فضاءً مشتركًا ومثمرًا ومتساويًا لليهود والعرب، للشرقيّين والإشكناز، للناطقين بالروسية، والمهاجرين من أصول إثيوبية، لطالبي اللجوء واللاجئين الذين يعيشون بيننا، كنقطة التقاء تجمع اليهود والمسلمين والمسيحيّين، وتجمع بين العربية والعبرية، وأعضاء مجتمع الميم والأسوياء، من أجل العلمانيّين والتقليديّين والمتدينين والأرثوذكس. نحن نؤمن بإمكانيات هذا المكان لبناء حياة كريمة، والمساواة والعدالة والسلام والديمقراطية.

نحن الموقعون أدناه، ندعو الحكومة والكنيست إلى وقف الإجراءات التشريعية فورًا. بدلًا من حلول وسط وهمية تتخذ شكل “مفاوضات” بين “اليمين” و”اليسار” تعقد من فوق رؤوس المواطنين والسكان، وبدلًا من حلول سحرية “باسم الشعب” لا تؤدّي إلَّا إلى مزيد من العنف، وتفرض قيودًا على قوة المواطنين للنضال من أجل العدالة، وتبقي غياب المساواة الدائم على حاله، ندعو إلى إجراء تغيير عميق في جميع المجالات المذكورة أعلاه، لصالح ديمقراطية جوهرية وعدالة ومساواة.